تطور الدولة المرابطية ومجال نفودها
مقدمة:
يتكون
البربر كما هو معلوم من قسمين عظيمين، هما البتر والبرانس: وأهم قبائل البتر زناتة
ولواتة ومطغرة ومديونة. ومن أهم قبائل البرانس صنهاجة وأوربة ومصمودة
وكتامة، وقد شغلت صنهاجة أجزاء شاسعة من شمالي إفريقيا، وفي المغرب في منطقة الريف
الى جانب الاطلس المتوسط، وساحل المحيط الأطلسي وضربت في الصحراء الكبرى حتى نهر
النيجر ونهر السينغال حيث أقام الملثمون رباطهم، ويكون الملثمون قسما عظيما من صنهاجة
الصحراء، ويؤلفون مجموعة متعددة من القبائل التي تكونت منها دولة المرابطين،
وانتهت زعامة الملثمين الى لمتونة التي كانت الرياسة فيها لبني ورتنطق، وورتنطق هو
جد أبي بكر بن علي. وقد ذهب المؤرخون في تفسير اسباب استعمال الملثمين اللثام،
وتسميتهم بذلك مذاهب شتى فروي أن جماعة من لمتونة أغاروا على أعدائهم فخالفهم
العدوا الى بيوتهم التي لم يبق بها الا المشايخ والنساء فأمر المشايخ النساء أن
يلبسن ثياب الرجال ويتلثمن حتى لا يعرفن فلما أقبل العدو ظهر له بأن عدد الرجال
كثير، فشاع فيهم استعمال اللثام بهذه الخدعة.
وضعت نواة الدولة المرابطية على يد كل من
أبو بكر بن عمر وعبد الله بن ياسين ودامت فترة حكمها حوالي 111 سنة، وقد مر تطورها
بثلاث مراحل أساسية:
• مرحلة التأسيس: (1036 - 1060م ابو بكر بن عمر – عبد الله بن ياسين):
تم خلالها توحيد قبائل لمتونة الصنهاجية والقضاء على الدولة البرغواطية، ثم الاتساع جنوبا حتى حدود السينغال: لما انتهت رياسة الملثمين الى يحي بن ابراهيم الكدالي أناب عنه ابنه ابراهيم ثم رحل الى الشرق حاجا سنة 1036 وعند رجوعه اتصل في افريقية بابي عمران الفاسي الذي استوطن القيروان قبل ذلك، واستفاد يحي من علمه الغزير، وطلب منه أن يبعث معه طالبا من طلابه ليفقه الملثمين في دينهم، فلم يجد من يقبل هذه التضحية، وحينئذ كتب له كتابا الى احد تلاميذه وهو وجاج بن زلو وكان قد تلقى عنه العلم بالقيروان ثم اسس بعد رجوعه أول مدرسة معروفة خصصت لدراسة العلم بالمغرب بسوس وكانت تدعى بمدرسة اجلو، وأغلب المؤرخين ينسبون ع الله بن ياسين الى جزولة. وهو على أي حال صنهاجي غير مشكوك فيه.
ولما انتهى يحي بن ابراهيم الى بلاده ومعه الفقيه ع الله بن ياسين تلقاه قبائل كدالة ولمتونة وفرحوا بمقدومهما، وتيمنوا بالفقيه وبالغوا في اكرامه، فشرع يعلمهم القرآن ويقيم لهم رسم الدين ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، " فلما رأوه قد شدد عليهم في ترك ما هم عليه من المنكرات تبرأوا منه وهجروه، فلما رأى ع الله بن ياسين إعراضهم واتباعهم أهواءهم أراد الرحيل عنهم الى بلاد السودان فلم يتركه يحيا بن ابراهيم الكدالي " ابن ابي زرع. وأشار عليه بتأسيس رباط يقيمون به للتعبد والتنسك ما بقي من حياتهما الى جانب اشخاص من كدالة وكان هذا الرباط على مصب نهر السينغال، فتسامع الناس بهم وانهم اعتزلوا بدينهم يطلبون الجنة والنجاة من النار، فصاروا يتوافدون عليهم حتى بلغ عددهم المئاتن فاخذ ع الله بن ياسين يقرئهم القرآن ويستميلهم الى الخير، ويرغبهم في ثواب الله ويحذرهم آلم عقابه، ولما تفقهوا ورسخ فيهم الدين قام فيهم خطيبا فوعظهم وشوقهم الى الجنة وخوفهم من النار، ثم نذبهم الى جهاد من خالفهم من قبائل صنهاجة، فسار كل رجل منهم الى قومه وعشيرته فوعظهم وأنذرهم ودعاهم الى الاقلاع عما هم بسبيله، فلم يرفعوا بذلك رأسا، فخرج اليهم ع الله بن ياسين بنفسه وجمع اشياخ قبائلهم وقرأ عليهم حجة الله ورغبهم في الجنة وخوفهم من النارن ولما رأى إعراضهم عن ذلك أمر أصحابه بغزوهم، فبدأ أولا بقبيلة كدالة فهزمها وقتل الكثير منها وما بقي دخل دين الاسلام سنة 1042م، ثم تلتها قبيلة لمتونة ومسوفة، فلما رأى ذلك سائر صنهاجة سارعوا الى التوية والمبايعة وأقروا له بالسمع والطاعة، ثم كون جيش وغزا القبائل حتى ملك جميع بلاد الصحراء وما ولاها من بلاد السودان وبلاد المصامدة وسائر أقطاب المغرب، في هذه الأثناء توفي يحيا بن ابراهيم، فجمع ع الله بن ياسين رؤساء القبائل الصنهاجية وولى عليهم يحيا بن عمر، فكان هذا الأخير يتولى النظر في أمر الحرب أما الأول فينظر في أمر الدين وأحكام الشرع ويأخذ الزكوات والأعشار، وكان يحيا شديد الانقياد لعبد الله بن ياسين، واقفا عند أمره ونهيه فإستقام له الأمر وملك جميع بلاد الصحراء وغزا بلاد السودان ففتح كثيرا منها. وفي سنة 1055م دخل المرابطون درعة ثم سجلماسة ثم توفي يحيا بن عمر في نفس السنة في غزوته ببلاد السودان، فخلفه أخوه أبو بكر بن عمر 1056 الذي زحف الى بلاد السوس وجعل على مقدمته ابن عمه يوسف بن تاشفين اللمتوني، فغزا جزولة وفتح مدينة ماسة وتارودانت قاعدة بلاد السوس وجعل اهلها على مذهب السنة والجماعة، وفي سنة 1057 دخل المرابطون مدينة أغمات ثم تادلا التي فتحها ابو بكر وقتل من وجد بها من بني يفرن ملوكها وظفر بلقوط المغراوي فقتله وتزوج بزوجته زينب بنت اسحاق النفزاوية وكانت حسب ابن خلدون من احدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة، ثم تقدم عبد الله بن ياسين الى بلاد تامسنا وبها ذلك الحين قبائل برغواطة فكانت بين الطرفين ملامح عظام، اصيب فيها ع الله بن ياسين فكان فيها شهادته سنة 1059م.
• مرحلة القوة: (1060 - 1106م):
حكم خلالها
السلطان يوسف بن تاشفين الذي بنى عاصمة الدولة مراكش وامتدت حدود الدولة نحو
الشمال حتى الأندلس: استمر الامير أبو بكر بن عمر
على رياسته فزحف الى برغواطة مصمما في حربهم، فأثخن فيهم قتلا وسبيا واستأصل
شأفتهم وأسلم الباقون اسلاما جديدا ومحا دعوتهم من المغرب ثم عاد الى أغمات، ثم
ورد عليه رسول من بلاد القبلة فاخبره باختلال أمر الصحراء فعزم على السفر اليها
ليصلح أمرها. فطلق امرأته زينب ودعاها الى الزواج من ابن عمه وخليفته على بلاد
المغرب يوسف بن تاشفين،وكان سفره سنة 1061 ولما وصل اليها اصلح شأنها ورتب أحوالها.
وكان يوسف بن تاشفين قد استفحل أمره ايضا بالمغرب واستولى على أكثر بلاده فلما سمع
أبو بكر بما آل اليه أمر يوسف أقبل من الصحراء ليختبر احواله، فلما قرب أبو بكر من
بلاد المغرب خرج إليه يوسف في هدايا كثيرة، ثم انصرف مرة أخرى الى الصحراء فأقام
بها الى أن أستشهد سنة 1087م.
بناء مدينة مراكش:
لما دخلت سنة 1062 كان أمر
يوسف قد استفحل بالمغرب وعظم صيته فسمت همته الى بناء مدينة يأوي اليها بحشمه
وجنده،فاشترى موقعها ممن كان يملكها فبنى بها القصور والمساكن. وكان موضعها على
طريق القوافل التجارية المقبلة من الصحراء والذاهبة اليها، فيخاطب الناس بعضهم بعض
" مرا ، كش " أي امشي مسرعا ، فدعيت بهذا الإسم. ولم يكن بها عيون أو
أنهار، فحفرت بها خطاطير هي عبارة عن آبار متقاربة يتصل ماء بعضها ببعض، ثم جلبت
اليها مياه اغمات بواسطة السواقي، ويروي الادريسي " نزهة المشتاق" أن
المدينة لم يكن بها سوى بستان واحد في البدايةن ثم تكاثرت بها البساتين والعمارات
والقصور وأصبحت من أجمل المدن المغربية لكثرة بساتينها ومبانيها. وفي نفس السنة
كون يوسف جيشا ضخما من 100 ألف فارس، وبه فتح فاس سنة 1063 ونازل قلعة فازاز، ثم
زحف نحو طنجة ولكنه لم يهاجمها وكان بها سكوت البرغواطي الموالي لبني حمود، ثم
انحاز اليه مهدي الكزنائي امير مكناسة، ولكنه ما كاد يتوجه إلى يوسف الذي رجع
لحصار فازاز حتى تلقاه تميم المغراوي وقتله فاشتغل المرابطون بحرب تميم ثم استولى
على فاس أحد أعقاب ابن ابي العافية الذي هزم المرابطين بينما رحل يوسف عن قلعة
فازاز وترك جيشا يحاصرهم مدة تسع سنوات حتى فتحها 1073. وبعد ارتحال يوسف عن قلعة
فازاز اشتغل باخضاع جبال الريف ثم نازل فاسا سنة 1070، ودخلها بالقوة وأعمال السيف
في رقاب الزناتيين بها، وتابع فتوحه في أقصى الشمال، ووجه همه بالذات الى طنجة،
وكان بها يومئذ سكوت البرغواطي وكان من قبل في خدمة أحد موالي الحموديين الذي
خلفوا الامويين بالاندلس لبضع سنوات وكانت سبتة وطنجة في دائرة نفوذهم، وتوالى
عليها الولاة حتى تولاهما سكوت البرغواطي واستبد بأمرهما وأخضع لنفوذه القبائل
المجاورة غير أنه ما كادت تحل سنة 1077م، حتى زحف الى طنجة القائد اللمتوني صالح بن
عمران ففتحها وقتل سكوت البرغواطي، اما سبة فقد تحصن بها يحيا بن سكوت. وفي هذه
الأثناء ورد على يوسف كتاب من المعتمد بن عباد يستصرخه فيه على حرب النصارى
بالأندلس إلا أن يوسف أخبره بأنه لايستطيع مساعدته مادام لم يفتح سبتة فعرض عليه
المعتمد مساعدة بحرية، فجاء أسطول المعتمد الى ميناء سبتة سنة 1084م بينما نازلها
المغربي يوسف برا، وانتهى الأمر بفتح هذه المدينة وقتل يحي بن سكوت، على أن يوسف
أرسل قائده مزدلي 1080 الى المغرب الاوسط فاستولى على أحواز تلمسان، ثم زحف يوسف
سنة 1082 الى وجدة ففتحها بعد أن خرب مدينة نكور وتركها اطلال كما فتح تلمسان في
نفس السنة.
الجهاد بالأندلس :
ساءت الأوضاع بالأندلس بعد أن
توزعها ملوك الطوائف، فقد اتحدت قشتالة وأرغون وتزعم هذا الإتحاد الفونس السادس
ملك قشتالة وحليفه سانشو الثاني ملك أراغون. واستطاع الفونس أن يحتل طليطلة من يد
يحي بن ذي النون سنة 1085، وهدد سرقسطة وبطليوس وطالب المعتمد بتسليم بعض حصونه.
أمام هذا الوضع لجأ المعتمد الى طلب المساعدة من بن تاشفين الذي إشترط مقابل مروره
الى الاندلس تسليمه الجزيرة الخضراء فقبل المعتمد شرطه، ونزل يوسف بها مع جيشه،
أما جيوش النصارى فقد اشتركت فيها قشتالة ونافارو وأراغون، أما قيادة الجيش
الاسلامي فقد كانت للمعتمد ومعه داود بن عائشه على البربر، بينما احتفظ ابن تاشفين
بالجيش الاحتياطي، فكان اللقاء في سهل الزلاقة قرب بطليوس سنة 1086م، وكان الرهبان
في صفوف النصارى والفقهاء في صفوف المسلمين يحثون الناس على الصمود والإستشهاد
وكتب النصر للمسلمين وفر ملك قشتالة في 500 فارس،بينما جمع المسلمون رؤوس القتلى
في كومة عاليى حتى بلغ عدد الرؤوس أزيد من 20ألف. ومع ذلك فقد كانت قوة النصارى
أضخم عددا من المسلمين ولم يكد يوسف ينتهي من هذه المعركة حتى أتاه نعي ولده أبي
بكر. فأسرع بالعودة الى المغرب وولى على الأندلس القائد سير بن أبي بكر الذي توغل
في بلاد العدو وحصل على ذخائر عظيمة.
ولم يتفق المؤرخون في مسألة
رجوع ابن تاشفين الى الأندلس بعد هذا الجواز الأول، غير أن ابن ابي زرع قال"
لما كانت سنة إحدى وثمانين وأربعمائة(1088م) جاز امير المسلمين على الأندلس الجواز
الثاني برسم الجهاد " قال " وسبب جوازه ان الفونس لعنه الله لما هزم
وجرح وقتلت جموعه عمد الى حصن لبيط الموالي لعمل ابن عباد فشحنه بالخيل والرجال
والرماة " فكانوا ينزلون من الحصن فيغيرون على بلاد ابن عباد ويقتلون
ويأسرون، فهرع هذا الاخير يشكو الى ابن ابن تاشفين ظلمهم، فتلقاه عند مصب وادي سبو
ووعده بالجواز اليه فرجع المعتمد وسار يوسف في أثره ثم كتب الى أمراء الأندلس
يدعوهم الى الجهاد، فنزل على حصن لبيط ولم ياتيه ممن كتب اليه غير ابن ع العزيز
صاحب مرسية، وابن عباد صاحب اشبيلية فنازلا معه الحصن وشرعوا في القتال والتضييق
عليه ودام الحصار أربعة اشهر، فوقع بين ابن ع العزيز وابن عباد نزاع فإختل امر
المحلة وفر جيش ابن ع العزيز، ولما سمع العدو بذلك حشد جيشا كبيرا وقصد الى حماية
الحصن فانحرف يوسف الى المرية فعمل الفونس على إخلاء الحصن من بقية النصارى.
ثم لما كانت سنة 1090 جاز أمير
المسلمين الى الأندلس الجواز الثالث برسم الجهاد، فخاف ملوك الطوائف على ملكهم،
فحالف ع الله بن بلكين الفونس وطلب مساعدته ضد يوسف، فحاصره في غرناطة ثم اعتقله
وبعث به الى مراكش مع أسرته حيث قضي بقية أيامه، وكان يوسف قد اعتزم افتتاح طليطلة
فلم يأتي من ملوك الطوائف أحد لمساعدته وفي مقابل ذلك عرض ابن عباد ليوسف برغبته
في ضم غرناطة الى ملكه، فلم يحفل به يوسف ورجع الى المغرب بعد أن ترك بالأندلس
نائبا عنه هو القائد سير بن أبي بكر، على أن يوسف لم يخاطبه في شأن المعتمد، وساءت
العلاقة بين هذا وسير الذي طلب منه التنازل عن ملكه والانضمام الى المرابطين
فامتنع المعتمد، واستنجد بدوره بالمسيحيين، فحاصره سير بإشبيلية سنة 1091م، ثم
إعتقله وبعث به وباسرته الى اغمات،أما نجدة العدو فقد اصطدمت بالمرابطين قرب حصن
المدور فهزمها القائد ابراهيم بن اسخق. وقد اصبحت الأندلس منذئذ تحث الحكم المباشر
للمرابطين وانقضى أمر ملوك الطوائف وفي سنة 1102م ولى عهده ابنه عليا وأوصاه
بالاحسان الى حماة الثغر الأعلى. وكانت وفاته سنة 1106م ودفن بمراكش.
• مرحلة الضعف والانهيار: (1106 - 1147م):
ابتدأت بموت يوسف بن تاشفين وصراع
أبنائه على الحكم حيث حكم علي بن يوسف مدة 37 سنة، لكن بعد وفاته استطاع
الموحدون قتل ابنه إسحاق والقضاء على الدولة المرابطية: عند وفاة يوسف خلفه ابنه علي بن يوسف (1106- 1142)
جاز أول مرة الى الأندلس بعد توليته حيث بايعه الفقهاء وكبار رجال الدولة وذلك بعد
أن قبض على ابن أخيه يحي بن ابي بكر الذي ثار بفاس وامتنع عن مبايعة عمه ، وفي سنة
1109 جاز الى الأندلس للمرة الثانية فأقام بقرطبة شهر يعبئ جيشه ثم فتح 270 حصن من
قشتالة، كما توسع سير بن ابي بكر في فتح الرتغال، لكنه توفي في 1113، ولم تكد تحل
سنة 1118حتى سقطت سرقسطة في يد النصارى وتوسع الأرغونيين في فتوحاتهم وظل المسلمون
يعيشون تحث سلطتهم في المراكز التي استولوا عليها.وفي سنة 1119 استولى النصارى على
قلعة أيوب، فجاز علي بن يوسف مرة أخرى الى الأندلس وفتج شنتمرية وعين أخاه تميم
واليا عاما على الأندلس. وفي 1126 توفي تميم فخلفه على الأندلس تاشفين بن علي الذي
قام بغزوات موفقة في غرب الأندلس وفي 1142 توفي علي بن يوسف فخلفه ابنه تاشفين بن
علي (1142- 1144)عند توليته كانت جيوش الموحدين تزحف نحو الشمال والشرق حتى بلغت
أحواز تلمسان فتبعهم ابنه ابراهيم الذي عجز عن مواجهة الموحدين فخلعه المرابطون
وعينوا اسحاق بن على بن يوسف، وفي سنة 1145 استولى عبد المومن الموحدي على فاس ثم
زحف لحصار مراكش واستمر الحصار تسعة أشهر فاستسلمت المدينة للموحدين 1146 وقبض على
شيوخ المرابطين وأميرهم اسحاق ليتم قتلهم وبذلك إنتهت الدولة المرابطية سنة 1147.
تطور الدولة الموحدية ومجال نفوذها
مقدمة
قاد محمد بن تومرت الملقب ب«المهدي»
أول حركة موحدية بعد أن بايعته قبائل مصمودة. وقد دام حكم الموحدين حوالي 150
سنة، ومر تطورها بالمراحل التالية:
• مرحلة التأسيس: (1120 - 1163م):
قطن المصامدة
جبال الأطلس منذ عهود سحيقة، وامتدت فروعهم من ساحل المحيط الاطلسي الى برقة،
وتدخل منطقة سوس ودرعة في مواطن المصامدة، أما دولة الموحدين فقد تشكلت في أساسها
من مصامدة الأطلس الكبير، ويتميز المجتمع المصمودي بقدرته الفائقة على ممارسة
النشاط الزراعي والتعاون الجماعي والميل الى احترام الاعراف والقوانين والتكيف مع
الحضارة بوجه عام.
ولد بن تومرت الهرغي(هرغة) بسوس ونسب نفسه الى السلالة
النبوية من طريق الحسن بن علي بن أبي طالب، وكانت ولادته سنة 1082 في أسرة فقيرة،
تلقى تعليمه الأولي بالمغرب وفي سنة 1107 انتقل الى المشرق وتتلمذ على عدد من
الفقهاء هناك أبرزهم أبي حامد الغزالي، قضي بالمشرق حوالي عشرة سنوات وكانت
الأحلام السياسية تراوده وهو بعد بالمشرق، غير أنه كان يرى أن المغرب يجب أن يكون
منطلقه لأنه لايتوفر بالمشرق على أية عصبية سياسية أو قبيلية، فإنطلق من المغرب
الأوسط وفي تلمسان أقام بمسجد العباد وجذب بقوة شخصيته وعلمه مختلف فآت المجتمع
التلمساني، ويقول عبد الواحد المراكشي عن هذه المرحلة " وكان قد وضع له في
النفوس هيبة، وفي الصدور عظمة، فلا يراه احد إلا هابه وعظم أمره، وكان شديد الصمت
كثير الانقياض، إذا انفصل عن مجلس العلم لايكاد يتكلم بكلمة ". وفي سنة
1120 قصد بن تومرت فاس، ومالبت دروسه هناك أن أدهشت الطلاب والمثقفين والرأي
العام، فلم يسع الفقهاء الى التدخل لطرده من فاس، ثم دخل الى مراكش وبرفقته عبد
المومن، فقام بكسر أواني الخمر حيث وجدها واعترض النساء السافرات وتوبيخهن، حتى
أنه إعترض أخت أمير المسلمين، فثم طرده من مراكش الى أغمات فتسامع به المعجبون
والتفوا حوله، ثم قصد تينمل وهناك وجد النصرة والترحاب من قوم لم يكن يجمعهم
بالمرابطين سوى رباط الجباية، وهناك بدأ التنطيم الجماعي لأنصاره فوضع عقيدة
التوحيد بالامازيغية وقربها الى أفهامهم،وعمل على إقناع المصامدة على أنه المهدي
المنتظر، وقام ببناء مسجد تينمل وسور البلد وبني قلعة حصينة لحماية المنطقة فبايعته
هرغة ومنتاتة وأعلن دعوته بصفة رسمية سنة 1121م وبدأ يوجه الدعاة الى مختلف القبائل
والتجمعات السكانية وسمي أنصاره بالموحدين وبالمؤمنين. وقد شهدت الفترة بين 1121 و1130 عدة مواجهات بين الموحدين
والمرابطين، وحتى ضد القبائل المصمودية التي لم ترضخ بسهولة لدعوة ابن تومرت، ثم
عمل عبد المومن على مهاجمة مراكش، لكن فشل وفي سنة 1130 توفي . فخلفه عبد
المومن 1130- 1163 وهو ع المومن بن علي الكومي، ولد في عهد يوسف بن تاشفين 1094
بقرية تاجرا من أعمال تلمسان، وكان ينفي نسبه الى كومية وينتسب الى معد ابن عدنان
عن طريق قيس بن غيلان، اتصل بالمهدي بن تومرت في الجزائر وتتلمذ عليه ثم رشحه
المهدي لخلافته. وانتظر عبد المومن عشر سنوات بعد وفاة المهدي للشروع في فتح
المغرب ، ففي سنة 1145 استولى عبد
المومن الموحدي على سلا و فاس ثم زحف لحصار مراكش واستمر الحصار تسعة أشهر
فاستسلمت المدينة للموحدين 1146 وقبض على شيوخ المرابطين وأميرهم اسحاق ليتم قتلهم
وبذلك إنتهت الدولة المرابطية سنة 1147. وانتهت الفتوح في المغرب بمكناس سنة 1148.
ثم توجه الى المغرب الاوسط سنة 1151 ففتحها وولى عليها ولده عبد الله، أما في
إفريقيا فعندما أعلن المعز بن باديس الصنهاجي بالغاء دعوة الشيعة سنة 1043 سلط
عليه الفاطميون عرب بني هلال، فاستقروا أولا بناحية برقة، فشرعوا في أعمال النهب
والتخريب والسبي والأسر، فعمل عبد المومن على الاستلاء عليها سنة 1159.
فتح الأندلس :
بعد وفاة علي بن يوسف بن
تاشفين، اختلت أحوال الأندلس وظهر ثوار كثيرون استقل كل منهم بناحية من الأندلس،
وطردوا عمال المرابطين، وفي سنة 1147 إستقبل عبد المومن وفدا من الأندلس يطلب منه
النصرة ، وسرعان ما وصلت قوة من جيش الموحدين الى اشبيلية، فثم الاستبلاء على
قرطبة 1148، فتوافد الثوار السابقون على عبد المومن فسلموا اليه سلطة المراكز التي
كانوا يحتلونها وفي سنة 1151 توجه جيش الموحدين الى المرية فحاصرها لتستسلم في
الأخير رغم مساعدة الفونس السابع وحليفه ابن مردنعيش، غير أن هذا الأخير عمل على
إخضاع أكثر رقي الأندلس، فتهيأ ع المومن للجهاد بالأندلس لكنه أصيب بمرض خبيث أدى
الى وفاته سنة 1163 .
• مرحلة القوة: (1163 - 1213م):
بعد وفاة
عبد المومن خلفه ابنه يوسف ( أبو يعقوب يوسف) لم تكد تمضي سنة على توليته حتى قامت ثورتين بغمارة
لكنه استطاع القضاء عليهما. وانصرف الى الجهاد بالاندلس ففي سنة 1165 تجمعت جيوش
بلنسية ضد الموحدين ومعها 13 ألف من قشتالة وأراغون فهاجمهم أبو سعيد أخو الخليفة
بقرب من مرسية ، وهزمهم في هذه المعركة التي تسمى بوقعة الجلاب، وفي سنة 1169 بعث
أبو يعقوب بجيش الى الأندلس بقيادة أبو حفص أخوه، فاستولى على بطليوس وأخذ نفوذ
ابن سعد امير بلنسية يتقلص رغم مساعدة قشتالة وليون وفي سنة 1171 جمع أبو يعقوب
جيشا قوامه مائة ألف من البربر والعرب وتقدم بنفسه للجهاد بالأندلس، فانضافت قوة
من جيش الموحدين بغرناطة اليه، فقصد مرسية فثم اللقاء بينه وبين ابن سعد في
الجلاب، فإنهزم هذا الأخير وكانت وفاته، فاستولى يوسف على ما كان يملك. وفي
سنة 1175 رجع الخليفة الى المغرب لكن الموحدين استمروا في صراعهم مع النصارى وكان
البرتغال اشد في حربهم على المسلمين من قشتالة وأراغون، مما جعل يوسف يفكر في
مهاجمة الرتغال ثم الزحف على ممالك النصارى شمالا وإخضاع الأندلس كلها، وفي سنة
1184 بدأ في تنفيذ خطته، لكنه انهزم في أحد المعارك بالأندلس في نفس السنة. فخلفه
ابنه يعقوب المنصور وفي سنة 1189 قصد هذا الأخير الأندلس ورجع بغنائم وافرة
وعقد بينه وبين النصارى صلح لمدة خمس سنوات، ثم نقض النصارى العهد بمهاجمة
المسلمين، فكان جواز المنصور الى الأندلس سنة 1195 وفيها حدثت غزوة الأرك،
اذ احتشدت قوات الفرقين قرب قلعة الارك بين قرطبة وقلعة رباح، ثم نشب القتال وكان
النصر حليف المسلمين وتابع المنصور غزوه لبلاد النصارى حتى بلغ طليطلة لكنه لم
يفتحها. وفي سنة 1199 توفي المنصور. فخلفه
ابنه محمد الناصر، لم ينسى ملك قشتالة عار هزيمة الأرك فأقنع حلافائه
بضرورة الإتحاد من اجل مهاجمة الأراضي الاسلامية، فبدأ بغزوها وفي سنة 1210 أعد
الناصر جيشا ضخما لمحاربة النصارى. أما النصارى فقد جمعوا قواهم في طليطلة وانظافت
اليهم قوات هائلة من مختلف أصقاع أوربا فإلتحم الجيشان في سهل تولوز على مقربة من
حصن العقاب وكان النصر حليف العدو فاستسلمت جيوش الموحدين وانسحب أكثرها
وكان ذلك في1212م. ويمكن القول أن
المسلمين فقدوا ثلث قواتهم في هذه المعركة، واستعاض النصارى عن الغنائم
التي خسروها في الأرك بما خصلوا عليه في العقاب. وقد أحدت هذه الهزيمة صدمة نفسية
لدى الناصر، ثم اصيب بمرض توفي على إثره
سنة 1213.
• مرحلة الضعف والنهاية: (1213 - 1270 م):
بعد موت
الناصر خلفه ابنه يوسف المستنصر، وفي سنة 1216 ظهر بنو مرين على ساحة
الأحداث كقوة منافسة للموحدين،أما في الأندلس فقد كان كان المسيحيون لايرحمون،
يقتلون كل من صادفوه في طريقهم من المسلمين وسقطت هيبة الموحدين، فعجز المستنصر
ومن جاء بعده على السيطرة على الأوضاع ، وكان آخرهم أبي دبوس الذي قتل على يد بني
مرين سنة 1270 لتنتهي بذلك الدولة الموحدية.
تعاريف ومصطلحات:
يوسـف بن تاشفيـن:أصله أمازيغي من قبائل صنهاجة الصحراوية، ازداد سنة 1010م، حكم ما بين 1060م
و1106 ويعتبر هو المؤسس الحقيقي للدولة المرابطية وباني عاصمتها مراكش سنة
1070 وهو الذي ضم الأندلس لحكم المغرب.
المهدي بن تومرت: أصله أمازيغي من قبائل مصمودة، ولد سنة 1083م، ودرس العلم والفقه بالمشرق
العربي ثم عاد للمغرب ليبدأ المواجهة مع المرابطين ابتداء من سنة 1123، إلى حين
وفاته سنة 1130 لقب بالمهدي المنتظر، وقد جمع أهم مبادئه في كتاب «أعز ما
يُطلب».
ابن رشد:هو أبو الوليد
محمد بن رشد، ولد سنة 1126م، كان فقيها وفيلسوفا وطبيبا وقاضيا، عاصر الخلفاء
الموحدين الذين استقدموه من الأندلس لإصلاح التعليم بالمغرب، ترك تراثا فكريا ضخما
ومتنوعا من التعاليم والمنطق والطب والفلسفة، راجع مؤلفات أرسطو
وشرحها وبوبها، ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات، ودرست بالعديد من
الجامعات.
مظاهر المعمار الموحدي: مكنت المداخيل المالية المتعددة للدولة من تنوع مظاهر المعمار الموحدي، حيث
خلف السلاطين مآثر معمارية عديدة انتشرت بمجموع الغرب الإسلامي، كصومعة الكتبية
بمراكش صومعة حسان بالرباط الخيرالدا بإشبيلية (الأندلس)، باب أكناو بمراكش و
باب الرواح بالرباط...
المكس : ضريبة تؤدى
على السلع عند مرورها بأبواب المدن أو بيعها في الاسواق.
الخراج :ضريبة مفروضة
على الأرض.
تعليقات
إرسال تعليق